حركة خارج السرب | الامازيغ في ليبيا والحقوق المشروعة
الامازيغ في ليبيا والحقوق المشروعة
2019-05-27 | 2170 مشاهدة
محمد عمران كشادة
مقالات

 

محمد عمران كشادة

المؤهلات العلمية: بكالوريوس ادارة اعمال من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة قاريونس بنغازي عام 2008م.
للإطلاع على كامل السيرة الذاتية للكاتب يرجى منكم النقر هنا

 

 

لقد كان من الطبيعي بعد ثورة 17  فبراير في عام 2011 م  وانهيار نظام معمر ألقذافي ، أن  تظهر بعض المطالب للمكونات العرقية في ليبيا، مثل الامازيغ  والذين طالبوا بدسترة لغتهم الامازيغية والاعتراف بهويتهم الثقافية،  وقد  كانوا يعانون من الاضطهاد في عهد معمر ألقذافي إسوة بباقي الليبيين ، ولقد حرموا  من حقوقهم المشروعة، ومنعوا من التعبير بحرية عن هويتهم، وثقافتهم ولغتهم الأصلية، والامازيغ مكون أصيل من مكونات الشعب الليبي ، ووجودهم ضمن النسيج الاجتماعي الليبي يعد عامل إثراء وتنوع ثقافي ، يضيف الكثير إلى  الهوية الليبية الجامعة ، والامازيغ هم سكان البلاد الأصليين، فلقد كان وجودهم في ليبيا وشمال إفريقيا أسبق  من الوجود العربي ، ففي الوقت الذي يرجع فيه الوجود العربي إلى  حقبة انتشار الإسلام أي قبل 1400عام   فان الامازيع كانوا يسكنون هذه الأرض قبل 10 ألاف عام كما تقول المصادر التاريخية ،  وأثناء الفتوحات الإسلامية لشمال إفريقيا  ابدوا مقاومة عنيفة للعرب الفاتحين ، فقد  انتشر الإسلام في الجزيرة العربية والشام والعراق ، وانتصر العرب على إمبراطوريتي  الفرس والروم في 10  أعوام ، بينما  أحتاج  العرب إلى  70  عام لتأكيد الوجود العربي في شمال إفريقيا ونشر الإسلام  نظراً لمقاومة الامازيغ الشديدة للعرب ، إلا أن الامازيغ اعتنقوا الإسلام في عهد عمر بن عبد العزيز الذي اشتهر بعدله ، بعد أن  خاضوا حروب مريرة مع العرب أشهرها  تلك التي كان يقودها كسيلة والكاهنة ، والامازيغ في ليبيا يمثلون نسبة %5 من تعداد السكان ، وبعض الآراء تذهب إلى  القول بأنهم يمثلون نسبة %15 من تعداد السكان ، واكبر تركز لهم في مدينة زوارة ، وجبل نفوسة وواحة أوجلة وسوكنه، بالإضافة إلى الطوارق الذين ينسبون إلى الامازيغ أيضا ، وهم يتمركزون في فزان بالجنوب الليبي .


وإذا كانت  الأعراق قد تفرق أو تميز بين العرب والامازيغ في ليبيا ، فان الإسلام هو المظلة الجامعة لكل هذه المكونات ، كما أن الهوية الثقافية الليبية عبر التاريخ، تعتبر بوصلة انصهرت فيها مكونات الشعب الليبي ، من عرب وامازيغ وتبو وطوارق ، وفي ليبيا ما بعد الثورة حيث نتطلع لإقامة دولة القانون والمؤسسات ،التي تحترم  قيم المواطنة، وحقوق الإنسان ، نجد أنه  من الحكمة أن نتعامل بمرونة ووعي  مع تلك المطالب المشروعة  لشركائنا في الوطن ، خاصة وأننا نعيش في  عالم القرن الواحد والعشرين ، حيث التطور الهائل في وسائل الاتصالات ، وانتشار ثقافة حقوق الإنسان ، ووجود المنظمات الدولية التي تتعاطي مع حقوق  الأقليات ،  واستغلال بعض الدول الكبرى لقضايا الأقليات  للتدخل في شؤون الدول الأخرى وضرب استقرارها،  وتأجيج الصراعات العرقية، كما رأينا في كثير من دول العالم ، من العبث أن نتعامل مع إخواننا الامازيع وشركائنا في الوطن ، وفق ثقافة الغالب والمغلوب ،  ولن  يكون مجدياً أن يعتبر العرب أنفسهم هم الأغلبية،  وباقي المكونات أقليات لا وزن لها ، علينا أن نعي ما يخطط لمنطقتنا من خرائط تقسيم جديدة ، تعتمد على إثارة  الصراعات العرقية والطائفية ،  مثل مخطط  برنارد لويس ، ويجب أن ندرك انه هناك مشروع سايكس بيكو جديدة ، لإعادة تقسيم المنطقة العربية ، والسودان كان أول ضحاياه ، ونحن دول المغرب العربي نعيش في منطقة تعني الكثير لفرنسا القوة الاستعمارية التي كانت تستعمر تونس والجزائر والمغرب وفزان في جنوب ليبيا ، وفرنسا في فترة الاستعمار عملت على خلق الفتن بين العرب والامازيغ ، ويجب ان ندرك هذه الحقائق .  يقول عبد النور بن عنتر في مقالته بعنوان " فرنسا والمسألة الامازيغية "،  يقول : " لقد أصر الاستعمار على التفريق بين البربر والعرب وعلى التقريب بينهم وبين الأوروبيين عبر المتوسط ، وعمد إلى إقصاء نحو 12 قرناً من التاريخ الإسلامي التي لم تتمكن من التأثير على البربر حسب خطابه. "من هذه الاعتبارات ستولد سياسة فرنسا البربرية لأن المسؤولين سيفاقمون هذه الاختلافات لهدف في منتهى السياسة " ، ونحن لا نغفل عن دروس التاريخ .  فلقد كانت  في جبل نفوسة نزعة استقلالية عن العاصمة طرابلس  أيام حكم العثمانيين والقره مانليين من بعدهم ، ويجب أن  ندرك بان   تهميش الامازيغ   شركائنا في الوطن  قد ينتج عنه إحياء نعرات جهوية ، ومطالب إنفصالية  لتأسيس كيان مستقل  ، يهدد وحدة ليبيا الترابية، ويقضي على قيم العيش المشترك والروابط التاريخية بين العرب والامازيغ في ليبيا.


ولقد احتج الامازيغ في ليبيا على  مسودة قانون الهيئة  التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ، واعتبروها لا تحقق مطالبهم المشروعة ، حيث   تنصّ المادة 30 من الإعلان الدستوري الصادر في أغسطس عام  2011م  على أن تنتخب الهيئة التأسيسية المتكونة من   60 عضواً بالتساوي بين الأقاليم الثلاثة ، وقد خصص  القانون ستة مقاعد فقط للمكونات الثقافية ، مما عمق الهوة بين العرب وبقية المكونات من امازيغ وطوارق وتبو ، و أدى   إلى  مقاطعة تلك المكونات لانتخابات لجنة الستين ، وأوضح المجلس الأعلى للأمازيغ ، بأن  سبب المقاطعة هو رفض نصّ التوافق بين المكونات الثقافية واللغوية الليبية من قبل المؤتمر الوطني العام ، وقد  قال رئيس التجمع الوطني التباوي  آدم التباوي:" إن  مشاركتنا في انتخابات الهيئة التأسيسية المعروفة بلجنة الستين مشروطة بقبول المؤتمر الوطني العام بمشروع التوافق في شأن طلبات الأمازيغ والتبو والطوارق" ،  وقال التباوي  أيضا :" إن  ما يحدث في قضية المكونات الثقافية في ليبيا اليوم هي أزمة وطن حقيقية تشير إلى غياب فكر سياسي قادر على بناء الدولة وتحقيق آمال المواطنين الليبيين على قدم المساواة  وعلى أساس المواطنة وليس العرق أو اللون " ،  وطالب أعيان الأمازيغ والطوارق والتبو في بيان مشترك بتعديل المادة 30 من الإعلان الدستوري ، وإقرار مبدأ التوافق فيما يخص المكونات الثقافية واللغوية.
واليوم لم تعد قضية الامازيغ في ليبيا ذات بعد محلي فقط ، بل تعدت الحدود ، فهناك منظمات دولية وامازيغية مثل الكونغرس الامازيغي العالمي  تهتم بهذه القضية ، وتتعاطف مع المطالب المشروعة لإخواننا الامازيغ ، وفي  يناير  عام 2013م عقد امازيغ ليبيا وأنصار حقوق الإنسان في العالم  مؤتمر عالمي  تحت عنوان " ملتقى الاستحقاق الدستوري لأمازيغ  ليبيا "   وشارك في هذا المؤتمر ممثلون عن الطوارق  و المعهد الملكي ألمغاربي ،  وعرب الأهواز بإيران ، والمعهد الملكي للأمازيغ ، وممثلون عن الأمم المتحدة ، إلى جانب نواب من المؤتمر الوطني العام، وإعلاميين و ناشطين أمازيغ  من كل أنحاء العالم ،  وقال علي أبو السعود عضو الكونجرس الأمازيغي العالمي عن ليبيا ورئيس لجنة ملتقى الاستحقاق الأمازيغي :" يعرب أغلب السياسيين الليبيين عن تضامنهم مع الأمازيغ  لكنهم في الواقع لا يترجمونه بمواقف صريحة وفاعلة ومفيدة للحركة الأمازيغية " ،  وقال أبو السعود أيضا :" بان خارطة الطريق للحركة الامازيغية هي  عدم الاعتراف بكل من لا يعترف باستحقاقاتنا الوطنية  فالدستور الذي سيكون محل اعترافنا  وتقديرنا هو الدستور الذي يعترف  بنا وبكل الليبيين على قدم المساواة  نحميه ويحمينا  نذود عنه بأرواحنا " ،  ويقول  الناشط الإعلامي الأمازيغي أوسمان بن ساسي بأن   مطالب الأمازيغ تتمثل  في : " الاعتراف بهم وبتاريخهم وحضارتهم كموروث ثقافي ليبي أصيل  وما من شيء يترجم هذا الاعتراف غير دسترة اللغة في دستور يمثل كل الفئات  لاسيما بعد هذه الأعداد من الشهداء" ،  ويضيف :" دستور بدون دسترة الأمازيغية كلغة رسمية هو دستور لا يمثل كافة الليبيين بل هو دستور باطل لأنه ظلم فئة ولم يمثلها وأقصي جزء من النسيج الليبي  فالخيار الأصلح والآمن الوحيد هو الاعتراف ودسترة الأمازيغية في الدستور كلغة رسمية لا تقل عن اللغة العربية و تمثيل كل فئات المجتمع الليبي بدون انتقائية واستثناء ".


  ونحن لن يضيرنا أن يتمتع إخواننا الامازيغ بهذا الحق ، ويتحدثوا بلغتهم التاريخية، وتكون لهم صحف وإذاعات تتحدث بلغتهم، طالما أن الإسلام يجمعنا ، والهوية الثقافية الليبية توحدنا  ، فلا يمكن عندما نقلب صفحات تاريخنا المشرقة، إلا أن  نجد إسهامات إخواننا الامازيغ جنباً إلى جنب مع العرب  في الحرب والسلم وميادين الجهاد ، فمن ينكر جهاد سليمان الباروني من اجل ليبيا  ودفاعه عن العروبة؟. وهو الامازيغي ابن مدينة جادو العريقة،  وقد حدثت بينه وبين شكيب ارسلان " أمير البيان " مشادة مشهورة ،عندما قال شكيب ارسلان بان سكان شمال إفريقيا مسلمين وليسوا عرباً ، فأنبرى  له سليمان الباروني يدافع عن عروبة شمال أفريقيا. في يونيو  عام 1937م قدم الامير شكيب ارسلان الى دمشق والقى محاضرة في النادي العربي في دمشق ، اعلن فيها تنكره الكامل للقضية الليبية ، ولقضايا الشمال الافريقي ، وقال ارسلان : " ان سكان هذه البلاد معظمهم من غير العرب ، وان الوحدة معهم خارج برنامجه ، وانه هناك اسباب جغرافية تمنع هذه الوحدة ، وان الحديث عن الوحدة معهم سوف تخلق اعداء اقوياء على حد وصفه" ، واضاف ارسلان بقوله : " ان الوحدة العربية يجب ان تنحصر في اسيا فقط " ،  فقام سليمان الباروني بنشر مجموعة من المقالات في جريدة الرابطة العربية الصادرة في القاهرة  للرد على شكيب ارسلان ، وتابعت الجماهير العربية في مصر وبلاد الشام والعراق وغيرها من الدول العربية هذه الحرب القلمية بين سليمان الباروني وشكيب ارسلان ، وكان شكيب ارسلان يتخذ من جريدة الشباب منبرا له للرد على سليمان الباروني . والحق يقال بان الامير شكيب ارسلان كان متضامنا مع القضية الليبية، وله مواقف قومية مشهودة ، الا انه هناك خلافات طرأت بينه وبين بعض الزعماء الليبيين في بلاد الشام واسباب اخرى دعته لاتخاذ المواقف المتطرفة التي كان من غير المتوقع ان تصدر عنه .


لا يمكن ان  ننسى ايضا  بان الشاعر العظيم رفيق المهدوي الملقب بشاعر الوطن هو من الامازيغ،  وكثير من رموزاً الوطنية من الامازيغ سطروا التاريخ وخدموا ليبيا بإخلاص ، ومن قصائد الشاعر رفيق المهدوي عن الوطن هذه القصيدة :-
يا أيها الوطن المقـــدس عنـــدنا
شوقا إليك ، فكيف حالك بعدنا
كــنا بأرضــك لا نــريد تحـولا
عنها ولا نرضى سواها موطنا
في عيــشة لو لم تكن
بالذل كانت ما ألذ وأحسنــا
عفنا رفاه العــــيش فيك ، مع العدا
وأبى لنا شمم النفوس وعـزنا
وسما بنا شــــوق إلى حريـــة
دسنا إلى استنشاقها سبب الغنى
مــن كــان يوقن أن أسـباب الغنى
بيدي كريم عاش حرا مؤمنـا
والحـرص من ضعف اليقين ومن يطع
طبع النفوس يعش خسيسا هينا
يــا أيها الوطن العـــزيز وإن نكن
بنّا ففيك حبيبنا ومحبــــنا
بنّا فما عــنك استــــطاع تصبرا
قلب ولا فيك اطــمأنت نفسنا
أما هـــواك فلا لزوم لذكــــره
فالحب ما منع الحديث الألسنا


ومن عظماء الامازيغ في ليبيا العلامة الدكتور عمرو النامي الذي كان ضحية لغدر نظام القذافي ، وسياسة تكميم الافواه . كان رجلا وطنيا غيورا عالما  ، وقد تحصل على الدكتوراة من جامعة كامبردج في بريطانيا في عام 1971م ، ثم عاد الى ليبيا واختفى في ظروف غامضة في عام 1986م نتيجة خشية نظام القذافي منه ،  ومن اجمل قصائده " اماه لا تجزعي  " ، ويقول فيها :-

أماه لا تجزعي فالحافظ اللـــه
وهو الكفيل بما في الغيب أمـاه
أماه لا تجزعي فالحافظ اللـــه
إنّا سلكنا طريقا خبرنـــــاه
في موكب من دعاة الحق نتبعهـم
على طريق الهدى أنا وجدنــاه
على حفافيه يا أماه مرقدنـــا
ومن جماجمنا نرسى زوايــاه
ومن دماء الشهيد الحر نسفحهـا
على ضفافيه نسقي ما غرسنــاه
أماه لا تجزعي بل وسمي فرحا
فحزن قلبك ضعف لست أرضـاه
أرضعتني بلبان العز في صغري
لا شيء من سطوة الطاغوت أخشاه
أماه لا تشعريهم أنهم غلبـــوا
أماه لا تسمعيهم منــــك أواه
أنا شمخنا على الطاغوت في شمم
نحن الرجال وهم يا أم أشبــاه
نذيقهم من سياق الصبر محنتهـم
فلم يرو للذي يرجون معنـــاه
أماه ذكراك في قلبي مسطــرة
وفيض عطفك أحيا في ثنايــاه
ومر طيفك يا أماه يؤنسنـــي
أنى وإن صفت القضبان ألقــاه
عشت ركب الهدى والنور يعمره
عشت حسنا عليه الوحي أضفــاه
عشقت موكب رسل الله فانطلقـت
روحي تحوم في آفاق دنيـــاه
لا راحة دون تحليق بمساحتهـم
ولا هناء لقلبي دون معنـــاه
أماه ذلك دربي قد أموت بـــه
فلا يسوؤك كأس قد شربنـــاه
لا تجزعي لفتى إن مات محتسبا
فالموت في الله أسمى ما أتمنــاه
أماه لا تجزعي فالحافظ اللــه
وهو الوكيل لنا بالغيـب أمــاه
لم يثنهم عن عزمهم وطـــر
كلا ولا هـدتهم المحــــــن
غرباء للإسلام بيعتهـــــم
ورضى الإله لبيعـهم ثمــــن
لم تخدع الأهواء موكبهـــم
كــلا ولا غرهـم الزمـــــن
خلعوا علوج الظلم في شمــم
حذر الوعيد لمن لهــم ركنـــوا
الحق والإيمان وجهتهـــم
لم تـثنهم ظلـم ولا فتـــــن
فبهم يضيء الكون في غــده
وبعزمهم سيحـطم الوثــــن
الله – ليس سواه – غايتهــم
و روائع القـرآن و السنــــن
وهدى النبي ونور سيرتــه
فيما جـلاه وسمـته الحســـن

اننا في ليبيا عرب وامازيغ بلغنا درجة من التعايش المشترك والايمان بحقوق الاخر تجعلنا ابعد ما نكون عن الانقسامات والنعرات العرقية التي تهدد كيان الدولة الليبية الواحدة ، قد تكون هناك بعض الحساسيات او الاشكاليات الا انها لن تعكر صفو بين العرب والامازيغ .  عندما نرى  أشبال وزهرات  الامازيغ ، في كتاتيب تحفيظ  القران  يتلون القران ويتعملونه  باللغة العربية ، ندرك بان القواسم المشتركة التي تجمعنا